الجمعة، 22 أكتوبر 2010

ود مدني
ألشيخ دفع ألله المصوبن
تحقيق: ياسر محمد إبراهيم
ربما يتفق الجميع، بلا إستثناء على أهمية منطقة أبو حراز، على الأقل لدي أهل الطرق الصوفية، وأبو حراز كانت ولا زالت قبلة للزوار، محبين ومريدين، وأصحاب الحوائج الذين يأملون أن تُقضي، يتضرعون إلى المولي عزوجل، في حضرة قباب أبوحراز، حيث تنتشر أضرحة شيوخ أسهموا كثيراً في نشر تعاليم الدين الإسلامي.
تقع منطقة ابوحراز، شمال مدينة ودمدني، وهي تستقبل يومياً العشرات من الزوار، يرتفع عددهم في يوم الجمعة، وعند المناسبات والأعياد الدينية، بالإضافة إلى الذكرى السنوية لهؤلاء المشائخ.
مناقشات حادة بين أنصار السنة وأهل الطرق الصوفية
قباب أبو حراز..قبلة لمحبي ومريدي الطرق الصوفية بالسودان
ولعل أشهر القباب.. هي قبة الشيخ دفع الله الشيخ محمد أبو دريس والملقب بالمصوبن، وقبة الشيخ حمد النيل، وغيرها من القباب، لكن لا توجد قبة تُحظي من الاهتمام بمثلما حُظيت به قبة الشيخ يوسف أبو شرا، والذي ولد في العام 1133هجرية، وتوفي في العام 1217هجرية، عن عمر ناهز الـ(84) وأمتدت فترة خلافته لما يقارب الـ(64) عاماً، بعد أن جلس على ككر الخلافة، وهو إبن العشرين عاماً، قضى فترة خلافته في تدريس القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه، بالإضافة إلى إرشاد المسلمين وتوعيتهم بتعاليم الدين، وأُعيد تشييد قبته في العام 1979م، على يد الرئيس الراحل جعفر نميري.
بعد وصولنا إلى مدينة ودمدني، إتجهنا فوراً إلى منطقة أبو حراز، لزيارة القباب والأضرحة، وللوقوف على حقيقة الأوضاع هناك، وبما أن زيارتنا صادفت يوم الجمعة، فقد توقعنا توافد أعداد هائلة من الزوار إلى أبو حراز، وقد صدق حدسنا.
- رحلة (الأسطورة): إلى أبو حراز
أثناء الرحلة، كان يجول في البال ما طفي على السطح من مناقشات فكرية دينية حادة بين جماعات أنصار السنة المحمدية وبين أهل الطرق الصوفية، هذه المناقشات أفرزت خلافاً بين الجماعتين على أنه خلاف قديم إمتد لسنين طوال، ولعلنا لا نجافي الحقيقة، إذا ما قلنا أن هذا الخلاف قد (شوَّش) عقول الكثيرين، وجعلها في حيرة من أمرها.
لم تستغرق الرحلة من مدني إلى أبو حراز أكثر من عشرين دقيقة، بعدها كنا في منطقة تتوسط منازل أبوحراز، وعدد كبير من القباب، ذهب البعض إلى أن عددها يصل إلى الـ(99) قبة وعند وقوفنا أمام قبة الشيخ المصوبن طفنا ببصرنا على عدد من القباب والتى توزعت في المساحة الواقعة غرب أبوحراز، وحينها شاهدنا جموع غفيرة من الزوار، بعضهم فرغ من زيارته وبدأ يتحفز للمغادرة، وبعضهم أخذ يترجل عن المركبة التى أوصلته إلى حيث شُيدت القباب، وآخرين لازالوا جلوساً حول القباب، هذا المشهد، لابد وأن يثير إنتباهك، لاسيما إذا ما كانت زيارتك لأبوحراز هي الزيارة الأولى لك، فالزوار تتسم حركتهم بين القباب بالنشاط والحيوية، وعندما تتأمل في وجوه الزوار تدرك ما أعتلى نفوسهم من راحة، وما غشي قلوبهم من طمأنينة، على أن الغريب في الأمر هو أن جل هؤلاء الزوار لم يسبق لهم مثلاً الإلتقاء بالشيخ يوسف أبو شرا أثناء حياته إلا أنهم قد عرفوه من خلال ما تناقله الناس من صلاح عُرف به، وكرامات نُسبت له، وهي في نظر البعض أقرب للخيال.
- زيارة الأضرحة..ورفع الأكف طلباً للرحمة
السمة المشتركة بين كل زوار أبوحراز، هو دخولهم مباشرة إلى إحدى القباب، بمجرد وصولهم إلى المنطقة، وداخل القبة،ـ يفضلون الجلوس حول الأضرحة وما أن يفرغ الواحد منهم من لمس الضريح حتى يبدأ في دعائه، ربما طالباً الرحمة لصاحب الضريح، وربما طالباً قضاء حاجة تخصه لكن توسلاً بصاحب الضريح.
النساء، فاقت إعدادهنَّ، أعداد الرجال، وهن لا ينسينَّ ابداً إحضار ما تيسر لهن إحضاره من أطعمة، وبعض الاشياء الأخري، مثل البلح، أما بغرض توزيعها على المساكين،  واما بغرض تناولها لكن تبقى نية صاحب الصدقة مجهولة، ولا يعلمها إلا هو.
بعد خروج الزوار من الأضرحة، يجسلون في مجموعات حول القبة التى قصدوا زيارتها، يتناولون بعض الأطعمة، أو يحتسون بعض أكواب الشاي، أو فناجين من القهوة، وهم في أثناء ذلك يتجاذبون أطراف الحديث، وقد يتجه البعض منهم إلى بئر للماء بجوار قبة الشيخ يوسف أبو شرا، يقال أن ماءه يشفي شاربه من الأمراض، ولاحظنا أن أحد الشباب ظل يعمل بهمة ونشاط في أثناء قيامه بسحب دلو الماء من البئر ليقوم بسكبه على أحد (الأزيار) الموجودة بجوار البئر، لكن معظم الزوار يفضلون شرب الماء من البئر مباشرة.
- قباب أبو حراز..قيمة روحية
في أثناء جولة ( الأسطورة)، وطوافها بين القباب، إلتقت ببعض الزوار ومريدي ومحبي الشيوخ أو طرقهم الصوفية، تجاذبت معهم بعض أطراف الحديث، وإستفسرتهم عن مسببات قدومهم إلى منطقة أبو حراز، بعضهم لدي سماعه للسؤال أبدي إستغرابه، والبعض الآخر أكتفي بالتحديق فينا فقط..لم نجد حينها بداً من تكرار السؤال، لكن بصيغة مختلفة.
وبدأ واضحاً إتفاقهم جميعاً على القيم الروحية التى تتمتع بها قباب أبو حراز، إلى جانب انهم يعتبرون أن زيارتهم لهذه القباب تُريحهم نفسياً، وتُبعدهم لساعات عن مشاكل وهموم المعيشة، بالإضافة إلى أن زيارتهم لهذه القباب تعتبر عندهم نوعاً من التواصل الإجتماعي.
وفيما يتعلق بلجوءهم – الزوار- إلى الأضرحة، وطلب إجابة الدعاء عبر مناداتهم أو توجههم للموتي من الشيوخ، ذهبو إلى أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد توسل إلى الله سبحانه وتعالي عبر أوليائه الصالحين أصحاب المقامات وأصحاب الكرامات، على الأقل عند هؤلاء الزوار.
وبعيداً عن ما قالوه، علينا التسليم بان الكثيرين، وبالأخص النساء، يعتقدون بأن الموتي من الشيوخ بإمكانهم إجابة الأدعية، هذا المسلك جعل جماعات أنصار السنة المحمدية ترسل وابلاً من الإتهامات لأهل الطرق الصوفية ومريديها، وكل من سلك مسلكهم، وترى هذه الجماعات ان مثل هذه التصرفات تدخل صاحبها في دائرة الشرك بالله.
- العبد يتوسل إلى الله بما يحب وبمَنْ يحب
وجاء في كتاب (مفاتيح الفرج)، ان التوسل إلى الله هو الطلب من الله تعالي مباشرة، مع الاستشفاع إليه بما يحب، وبمن يحب، فالله تعالي هو المقصود وحده بالسؤال، وهو المطلوب وحده لا سواه، وهو المتفرد بالاجابة، قال تعالي: (يا أيها الذين آمنو أتقوا الله وأبتغوا إليه الوسيلة) صدق الله العظيم.
وأوضح الكتاب أن العبد يتوسل إلى الله تعالي بما يحب، ومما يحب الصلاة، والتوبة إلى إليه باسمائه وصفاته جلا وعلا، والصلاة على نبيه صلي الله عليه وسلم، وكذلك النوافل، والعمل الصالح.
وأشار الكتاب كذلك إلى أن العبد يتوسل كذلك إلى الله بمن يحب، وممن أحب الله رسوله صلي الله عليه وسلم، وأنبياءه ورسله الذين إصطفاهم من بين الناس، وآل بيت رسول الله الذين رفعهم إلى مقام الطهر بسابق عناية منه سبحانه، فرفعهم إلى مقام المحبة، وأنه سبحانه يحب المتطهرين،ويحب سبحانه أولياءه الصالحين الذين جعل لهم البشري في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والذين لهم ما يشاءون عند ربهم وأن هؤلاء المصطفون والمجتبون المهتدون، قبورهم من رياض الجنة، فهي أماكن مباركة يستجاب عندها الدعاء، لان كل من يتبرك به في حياته، يجوز التبرك به في موته.
- مناقشات حادة بين الصوفية وأنصار السنة
وشهدت (الأسطورة)، مناقشة جمعت ما بين أحد المنتمين لجماعة أنصار السنة، وبين أحد المتصوفين حين كان الأخير يلقى محاضرة في إحدي ساحات سوق مدينة ودمدني الكبير، عن كرامات الأولياء الصالحين، وعن زيارة الاضرحج فقام المنتمي لجماعة أنصار السنة بمقاطعته، ودخل الطرفان في مناقشة تطورت إلى ملاسنات حادة بينهما، لم تنتهِ إلا بعد أن تدخل بعض الحضور، هذه التصرفات وهذه المناقشات وبالصورة التى تمت بها لابد وان تصيب البعض بالحيرة، وبالأخص بعض البسطاء، وبعض الذين لم يقدر لهم أن يتلقوا من العلم إلا قليلاً، على أنه من الاجدى أن تتم هذه المناقشات بصورة علمية، وبصورة مبسطة، تمكن من تعزيز الإيجابيات، ومحاربة السلبيات.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق